من ويكيليكس إلى بيغاسوس … كيف يؤثر الغلاف المعلوماتي في الواقع السياسي

*عبدالله الجبور

ظهرت ويكيليكس عام 2006 كمنظمة عالمية لكشف الوثائق السرية المتعلقة بالدول والسياسيين، وأحدث حينها ضجة كبيرة بسبب نشرها وثائق ومعلومات تكشف انتهاكات إنسانية جسيمة، كانت أولها وثيقة عن قرار وقعه الشيخ حسن ضاهر أويس لاغتيال مسؤولين صوماليين، والتحول من كشف الوثائق إلى تسجيل المكالمات كان عام 2009 عندما نشرت المنظمة 86 مكالمة هاتفية مسجلة من سياسيين ورجال الأعمال من البيرو متورطون في فضيحة نفط البيرو 2008.

عام 2016، تحولت ويكيليكس إلى «الندية السياسية»، أي أنها بدأت تتعامل مع البيانات لتصفية حسابات سياسية بناء على علاقاتها مع الشركاء، وكان ذلك واضحا عندما قامت المنظمة بنشر أكثر من 300 الف رسالة في بريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رداً على عمليات التطهير والإجراءات التي شهدتها تركيا بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016 والتي انتهت بالفشل، وبعد عدة دقائق قامت تركيا بحجب موقع ويكيليكس بعد نشرة الرسائل على موقعها.

كان لدى جوليان آسانج، رئيس تحرير ويكيليكس عداء شخصي مع هيلاري كلينتون، وانتقدها في أكثر من مقابلة تلفزيونية، خصوصا بعد نشره لمحتوى رسائل هيلاري خلال فترة رئاستها للخارجية، واختار توقيت أثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات ضد ترامب، ووفقاً لما خلص إليه العالم السياسي من هارفرد ماثيو باوم والعالم السياسي من كلية كانيونز فيل غوسين فإن “ويكيليكس تعمد نشر الرسائل الإلكترونية المرتبطة بالحملة الانتخابية لكلينتون بمنهجٍ استراتيجي كلما شهدت نسب كلينتون في استطلاعات الرأي ارتفاعاً ملحوظاً.”

ظهور بيغاسوس في 2021

يقوم موقع «درج Daraj» بتنفيذ تحقيقات مشتركة ومعمقة بعنوان: «مشروع بيغاسوس»، وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم، وبعد الرصد المكثف، وجدنا أن المشروع من أفضل المواقع التي توضح بالمعلومات منهجية عمل التحول الجديد بيغاسوس وعلاقته بالبيانات السياسية وانتهاك الخصوصية، خصوصا في المنطقة العربية.

وبحسب موقع «درج»، وبعد نحو 10 سنوات من تأسيس شركة NSO الإسرائيليّة، وهي صاحبة برنامج Pegasus، تمّ تسريب ثلاثة عقود بين الشركة ودول أخرى لشراء برنامج Pegasus، وكلّ عقد مختلف تماماً عن العقود الأخرى. فالعقد الأوّل مع غانا والذي كُشف من خلال دعوى رفعتها إدارة “واتساب” التابعة لشركة “فيسبوك” على شركة NSO في محكمة كاليفورنيا في 29 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، نتيجة اختراق برنامج الشركة محادثات على التطبيق وحصول NSO على وصول غير مصرح به إلى الخوادم وخدمة الاتصال الخاصة بالشركة.

وفي سياق الدعوى، تمّ الكشف عن عقد شركة NSO مع غانا وبلغت قيمة العقد نحو 8 مليون دولار في السنة للتنصّت على 25 رقماً، أمّا عقد NSO مع المكسيك، فهو بقيمة 32 مليون دولار لمراقبة 500 اسم فيما كان عقد باناما بقيمة 13.4 مليون دولار للتنصّت على 150 رقماً. ووفقاً لجريدة “هآرتس” الإسرائيليّة فإنّ المملكة العربية السعودية دفعت عام 2017 نحو 55 مليون دولار أميركي في السنة لشراء رخصة برنامج Pegasus.

تم تصميم برمجية “بيغاسوس” لجمع الملفات والصور وسجلات المكالمات وسجلات الاتصالات وغيرها من البيانات الخاصة الواردة في الهواتف الذكية المستهدفة، ويمكن عبر البرمجية تشغيل الكاميرات والميكروفونات وبالتالي تدوين تسجيل حيّ للشخص المستهدف. وقد تطورت هذه التقنية خلال الأعوام الماضية بحيث يمكن أن يحدث الاختراق من دون أن يتلقى الهدف أي تنبيه أو يقدم على نقر أي رابط.

لطالما كان التجسس بين الدول وعلى القادة نمطاً مألوفاً لجمع المعلومات الاستخباراتية، لكن تطور تكنولوجيا الهواتف ومعها تقنيات المراقبة الحديثة وفّر سهولة أكبر لدى شركات التكنولوجيا والحكومات التي تملك الثمن للحصول عليها.

تضمنت سجلات NSO أرقام هواتف لأكثر من 650 مسؤولاً حكومياً وسياسياً من 34 دولة، وتظهر التسريبات رؤساء وسياسيين عرب، وربما ستكشف الأيام القادمة عن فضائح سياسية وتورط شخصيات في قضايا كان مسكوت عنها لفترة طويلة، والأهم هو الكشف عن نية دول تنفيذ مشاريع كانت ستغير واقعنا السياسي إلى حد كبير.

____________

  • باحث في الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى